Logo Logo
الرئيسية
البرامج
جدول البرامج
الأخبار
مع السيد
مرئيات
تكنولوجيا ودراسات
أخبار العالم الإسلامي
تغطيات وتقارير
أخبار فلسطين
حول العالم
المزيد
مسلسلات
البرامج الميدانية
البرامج التخصصية
برامج السيرة
البرامج الثقافية
برامج الأطفال
البرامج الوثائقية
برامج التغطيات والتكنولوجيا
المزيد

العلّامة فضل الله: قمّة العبادة مساعدة الفقراء والمحتاجين

08 حزيران 18 - 15:13
مشاهدة
3788
مشاركة

[خطبة الجمعة]

قمّة العبادة مساعدة الفقراء والمحتاجين

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.

من هم المتّقون؟!

يطرح القرآن الكريم في هذه الآية معادلةً واضحةً وصريحةً، تقول إنّه لا تكتمل علاقة الإنسان بالله، ولا يبلغ ما عنده تعالى مما وعد به عباده بأداء الواجبات العباديّة فحسب، بل إنّها تكتمل بخدمة النَّاس من حوله والقيام بمسؤوليّاتهم. ولذلك، نجد الآية التي تلوناها، عندما تحدّثت عمّا يؤدّي إلى بلوغ المتقين درجة التقوى، وحصولهم على جنات وعيون، لم تكتف منهم بقيام الليل، ولا باستغفارهم، بل أشارت إلى أنّ ذلك لا بدّ من أن يقترن ببذلهم المال للسائل والمحروم.

ففي حسابات الله، لا موقع عنده للأنانيّين الذين يفكّرون في أنفسهم، وتأمين حاجاتهم ومتطلّباتهم وراحتهم وراحة عائلاتهم، دون أن يبالوا بمعاناة الآخرين، أو بما يواجهونه من شظف الحياة وصعوباتها. ولذلك، قرن الله حبّه بحبّ عياله؛ كلّ عياله، وهو في ذلك لم يفرّق بين عياله الذين قد يختلفون في أديانهم ومذاهبهم.

فقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص): "الخلق كلّهم عيال الله، وأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله"، و"... من أدخل على أهل بيت مؤمنٍ سروراً"، و"... من مشى مع أخيه في حاجة".

قمّة العبادة

وهو في الشّكر والامتنان، اعتبر أن شكر الإنسان لله لا يكفي، بل لا بدّ من أن يُقرَن بشكر الناس الذين كان لهم دور في حياته. وقد ورد في الحديث عن الإمام زين العابدين(ع): "أشكركم لله، أشكركم للنّاس". وورد عنه أيضاً: "يقول الله تبارك وتعالى لعبدٍ من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك يا ربّ. فيقول: لم تشكرني إن لم تشكره". وقد اعتبر أنّ مظهر أن يصل الإنسان إلى قمّة العبادة، يتجلّى في أن يكون في خدمة الناس وقضاء حوائجهم، فقد ورد في الحديث: "إنّ الإنسان إذا بلغ القمّة في العبادة، أصبح مشّاءً في حوائج الناس".

وقد رهن الله عونه لعبده، إن هو احتاج عونه، بعونه لأخيه الإنسان المؤمن، حيث ورد عن رسول الله(ص): "إنَّ الله في عون المؤمن، ما كان المؤمن في عون أخيه".

وإذا تعرّضت علاقة الإنسان بالله لخللٍ بسبب الذّنوب أو المعاصي التي يرتكبها بحقّ الله سبحانه، فإنَّ الله جعل الطريق إلى إصلاح الأمر معه، وتصويب العلاقة به، بالتوجه إلى إعانة ذوي الحاجة من خلقه، بإغاثتهم وسدّ حاجاتهم.

وقد ورد عن الإمام عليّ(ع): "من كفَّارات الذّنوب العظام، إغاثة الملهوف، والتَّنفيس عن المكروب". وهذا ما نجده في الكفارات التي تجب عند مخالفة النّذر أو العهد أو إفطار العمد، أو غير ذلك، حيث جعل الطريق إلى التكفير عن هذه الذنوب، إطعام المساكين والفقراء.

واجب لا اختيار

والله سبحانه وتعالى من حرصه على عباده، لم يترك أمر إعانة الناس وسدّ حاجاتهم أمراً اختياريّاً، بل أوجبه عليهم، عندما أوجب الزّكاة، فقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التّوبة: 103]. وقد ورد في الحديث عن الصّادق(ع): "إنَّ الله تعالى فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أنَّ ذلك لا يسعهم لزادهم". ووصف الزّكاة قائلاً: "إنّما وضعت الزّكاة اختباراً للأغنياء، ومعونةً للفقراء، ولو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم، ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً، ولاستغنى بما فرض الله عزّ وجلّ له، وأنّ النّاس ما افتقروا، ولا احتاجوا، ولا جاعوا، ولا عروا، إلّا بذنوب الأغنياء".

كما دعا الله سبحانه إلى أداء واجب الخمس كواجب ماليّ آخر، فقال: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[الأنفال: 41]. فهو جعل الفقراء وكلّ ذوي الحاجة، شركاء للأغنياء فيما عندهم، وهم عندما يعطون، لا يمنّون عليهم بعطائهم، بل يؤدون واجباً ومسؤولية وحقاً عليهم.

ولم يقتصر ذلك على الواجبات، فقد حثّ سبحانه وتعالى على الصدقات، وعزّز من أهميتها، عندما اعتبرها السبيل إلى الوقاية من النّار، وأنّها تُطفئ غضب الرّبّ، وتدفع البلاء، وتستنزل الرّزق، وتزيد في الأعمار، وأنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد العباد، كما أشارت الآية: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ}[التّوبة: 104].

وقد ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال لابنه: "كم فضل معك من تلك النفقة؟ قال: أربعون ديناراً. قال: فاخرج وتصدّق بها. فقال ابنه: إنه لم يبق معي غيرها. قال: تصدَّق بها، فإن الله عزّ وجلّ يخلفها. أما علمت أنّ لكلّ شيء مفتاحاً، ومفتاح الرزق الصدقة، فتصدق بها". وقد كان الإمام زين العابدين(ع) يستبشر عندما يأتي إليه فقير، ويقول: "جاء من يحمل إليَّ زادي إلى يوم القيامة".

علّة الصّيام

والصيام، أيها الأحبة، هذه الفريضة التي أنعم الله بها علينا، هي مصداق لكلّ ما تقدّم. فمن أهداف الصيام، بل علة وجوب الصيام، هي إيقاظ أحاسيس الأغنياء ومشاعرهم تجاه الفقراء. وهنا يقصد بالأغنياء، من يفيض في ماله عن حاجته، لا ما هو متعارف عندنا من كلمة الغنيّ. وليس أقوى من الألم كدافعٍ للتحرّك تجاه الّذين يقضون حياتهم كلّها في الألم والجوع، الجوع الّذي لا ينقضي بانقضاء ساعات النّهار ومجيء وقت الغروب، ولا عند انتهاء الشّهر ومجيء العيد.

فقد ورد في حديث الإمام الصّادق(ع) عن عِلّة الصّيام: "إنّما فرض الله الصّيام ليستوي به الغنيّ والفقير، وذلك أنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع ليرحم الفقير، لأنَّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله تعالى أن يسوّي بين خلقه، وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضّعيف ويحنو عليه".

وما يُظهِر الترابط بين الصيام وسدّ حاجات الفقراء، هو ما ورد في الحكم الشرعيّ، أن البديل من الصيام لمن لم يستطع أداءه، لعجز أو مرض، هو إطعام مسكين عن كلّ يوم. ولذا قال: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. ونجد ذلك أيضاً في ما فرضه الله في نهاية شهر رمضان في يوم العيد، حيث دعا الصائمين حتى يكملوا صيامهم، إلى أن يدفعوا زكاة الفطرة، فلا يكتمل الصّيام إلا بها.

لذا، أفاض رسول الله(ص) في خطبته في شهر رمضان، في الدعوة في هذا الشّهر إلى مساعدة الفقراء، وإكرام الأيتام والتحنّن عليهم، وإفطار الصائمين. ولم يقف الاهتمام في شهر رمضان على إطعام الفقراء والمساكين وإكرام الأيتام، بل وسّع رسول الله(ص) من دائرة الاهتمام إلى كلّ من يعانون في الحياة، من خلال ما ورد في الدعاء الذي يستحبّ قراءته في كلّ يوم من أيام شهر رمضان: "اللّهمّ أدخل على أهل القبور السرور، اللّهمّ أغنِ كل فقير، اللّهمّ أشبع كلّ جائع، اللّهمّ اكسُ كلّ عريان، اللّهمّ اقضِ دين كلّ مدين، اللّهمّ فرِّج عن كلّ مكروب، اللّهمّ رُدَّ كلّ غريب، اللّهمّ فكّ كلّ أسير، اللّهمّ أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، اللّهمّ اشفِ كلّ مريض، اللّهمّ سُدَّ فقرنا بغناك، اللّهمّ غيِّر سوء حالنا بحسن حالك، اللّهمّ اقضِ عنا الدَّين وأغننا من الفقر، إنَّك على كل شيء قدير". فهو تحدّث عن إدخال السرور على من هم في القبور، ورعاية الفقراء والمساكين والمدينين، وإعانة المكروبين والمهمومين والمظلومين، ومساعدة المرضى والوقوف في وجه الفاسدين.

المبادرات المطلوبة

إننا أحوج ما نكون إلى تعزيز هذه الروح؛ روح العطاء والشعور بالمسؤولية تجاه من يعانون، وتعزيز التعاون داخل المجتمع، بعد أن تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي، حيث يزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى، ما يستوجب تكاملاً وتعاوناً من أجل القيام بهذه المسؤوليّة. ونحن مع حرصنا على إبقاء المبادرات الفردية، وهي ضرورية، ولكن يبقى الأساس هو تعزيز المبادرات الجماعية، عبر إنشاء جمعيات أو لجان، سواء أكانت لجان أحياء أو داخل قرية، أو لجان مساجد، للقيام بحلّ هذه المشكلات، أو بمدّ يد العون للجمعيات والمؤسّسات التي تحمل هذا العبء، والتي باتت تنوء بحمل هذه المسؤوليّات، والتي من مسؤولية المجتمع كلّه أن يقف معها، وأن يسندها بالدعم والنصح والتسديد والنقد، لكنّه النقد البنّاء لا الهدّام، كما يجري في الهواء الطلق.

فلا يكفي انعدام القدرة المادية أو الجهد الفرديّ كعذرٍ أمام الله لعدم القيام بالمسؤوليّات تجاه هؤلاء وخدمتهم، بل حتى يكون الإعذار، لا بدّ من أن نضم جهودنا إلى جهود الآخرين ونعمل معهم.

معيار قبول الأعمال

إن علينا أن نعتبر، ونحن على أعتاب وداع شهر رمضان، أنّ إعانة الفقراء وذوي الحاجة، هو مقياس نجاحنا في القيام بمسؤوليات هذا الشّهر، ولقبول عملنا فيه. فالله لن يكتفي حتى يتقبل منا أعمالنا في هذا الشهر، أن نؤدّي فيه صيامنا وقيامنا وتلاوة القرآن والدعاء وإحياء ليالي القدر، بل سيقول لنا ماذا قدمتم لعيالي وبماذا خدمتموهم؟!

فلنستفد من الأيام القليلة المتبقّية، حتى نؤدي واجب هذا الشهر علينا، وإذا لم نستطع أن نقوم بما علينا في هذا الشهر من مسؤوليّات، فلنتوجه إلى الله، لنعلن بين يديه: "اللّهمّ أدّ عنا حقّ ما مضى من شهر رمضان، واغفر لنا تقصيرنا فيه، وتسلّمه منا مقبولاً، ولا تؤاخذنا بإسرافنا على أنفسنا، واجعلنا من المرحومين، ولا تجعلنا من المحرومين".

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي، ونحن نستعيد ذكرى فتح مكّة التي تمرّ علينا اليوم في الرابع والعشرين من شهر رمضان، بأن نستهدي بهدى رسول الله(ص)، فهو رغم كلّ القوّة التي توافرت له عندما دخل مكّة، لم يدخلها دخول الفاتحين الذين يستعرضون قوّتهم أمام من انتصروا عليهم، أو دخول من يريد الثّأر من أهلها الذين آذوه أذى قال عنه: "ما أوذي نبيٌّ مثلَما أوذيتُ"، وتآمروا عليه حتى أخرجوه منها، ولم يكفوا عنه بعد أن هاجر إلى المدينة، بل أعلنوا الحرب عليه؛ تلك الحرب التي قُتل فيها أعز الناس لديه.

لقد دخلها بقلب خاشع ومليء بالرحمة، دخلها، كما تقول السيرة، وذقنه على راحلته، ساجداً لله، يردّد عبارات الشكر والثناء له سبحانه، وقد حرص على أن لا يرفع أيّ شعار مستفز، فطلب من عليّ(ع) أن ينادي بالناس: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمى الحرمة"، وأمر أن لا يتعرض أحدٌ لأحد من أهلها.

وعندما اجتمعت إليه قريش برجالها ونسائها، سألهم: "ماذا ترون أني فاعل بكم وما تظنون!"، فقالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم"، فنحن لا نعهدك إلا بذلك، فقال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، فأنا لا أتحرك من وحي ردّ فعل، أنا صاحب رسالة، وكل دوري معكم في كلّ ما قمت به، أن أنتشلكم من جهلكم وتخلفكم، وأن تحترموا إنسانيتكم، أن لا تعبدوا حجراً ولا بشراً، بل أن تعبدوا الله الذي يريد كلّ الخير بكم. لم يفرض الرسول(ص) عليهم أن يدخلوا في الإسلام، ولم يشترط العفو عنهم بذلك، بل ترك لهم الحريَّة، لكنهم عادوا وأسلموا، بعدما رأوا الإسلام بكلّ رحمانيته أمامهم، وراحوا {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً}.

هذا هو رسول الله(ص)، الذي كان في كل حياته، وفي رسالته، تعبيراً عملياً للرّحمة، وهو الّذي قال الله سبحانه عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. لقد دخل رسول الله القلوب وبلغ العقول، لا من موقع ضعف، بل من موقع قوّة، ولو كان غير ذلك، لانفضوا من حوله ولتفرقوا عنه.

بهذه الروح، نصل إلى قلوب الناس وعقولهم، ونواجه التحدّيات.

في انتظار تنفيذ الوعود

والبداية من لبنان، حيث لايزال اللبنانيون ينتظرون من القوى السياسية أن تفي بالتزاماتها التي وعدت بها عشية الانتخابات، بتفعيل عمل المؤسّسات، لتساهم في حلّ الأزمات التي يعانيها البلد على مستوى محاربة الفساد، أو لعلاج المشاكل المستعصية والمتراكمة، أو لوقف تداعيات ما يجري من حوله. فبعد استكمال عقد المجلس النيابي، ينتظر اللّبنانيّون الإسراع في تأليف الحكومة التي يقع عليها عبء تنفيذ كلّ هذه الوعود والالتزامات.

ومع الأسف، فهذا ما لم يلمسه اللّبنانيون بعد، ولم تظهر جدّيته، في ظلّ الشروط التعجيزية أو غير الواقعية، سواء تلك التي تتعلق بالشكل، أو بتحديد الأحجام، أو بتوزيع الحقائب، أو بمشاركة هذا الفريق السياسي أو ذاك، ما يجعل هذه المهمة صعبة.

ونحن في ذلك، نعيد دعوة كلّ القوى السياسية إلى أن تكون جادة في دعوتها إلى الإسراع في تأليف الحكومة، وتنفيذ وعودها تجاه مواطنيها، وعدم الإصغاء إلى إملاءات من هنا وهناك. وهذا لن يحصل ما لم تتواضع في مطالبها، وتأخذ بالحسبان مصلحة الوطن. فالوطن لا يبنى إلا ببذل التضحيات، وتقديم التنازلات، وتحقيق المشاركة بين كل مكوّناته.

حقّ أم استنسابيّة؟!

في هذا الوقت، طغى مرسوم التجنيس على ما عداه، بفعل التجاذب السياسي الموجود في البلد، ولما تركه هذا المرسوم من علامات استفهام حول الأسباب التي دعت إليه في هذه المرحلة، والخلل الّذي قد ينتج منه على المستوى الطائفي أو السياسي، وما يتعلق بملفّ توطين الفلسطينيين أو السوريين.

ونحن في هذا المجال، لن ندخل فيما دخل به البعض من المسّ بالخلفيات التي دعت إلى هذا القرار، ولكنّنا كنا نأمل أن يُقارب بمنتهى الشفافية والوضوح، نظراً إلى تداعيات مثل هذا القرار على صورة العهد الّذي نصرّ على أن لا يشوبه أيّ شيء، وهو الذي أخذ على عاتقه مواجهة الفساد وبناء الدّولة القوية. ومن أولويات ذلك، الشفافية، وفق القاعدة التي تقول إنَّ علينا ألا نفعل شيئاً في السرّ نستحي منه في العلن.

إنّ ما جرى، يستدعي الإسراع في توفير كلّ السبل لتحديث قانون الجنسية، بحيث لا يخضع للاستنسابية، فيحرم أولاد المرأة اللبنانية المتزوّجة من أجنبي من الجنسية، أو من قدّموا خدمات جليلة للوطن.

الإخلال بالأمن مرفوض

وفي مجال آخر، وفي إطار مكافحة المخدّرات، فإننا ننوّه بالجهود التي تقوم بها القوى الأمنية في ملاحقة تجار المخدّرات ومروّجيها، كما حصل في الأيام السابقة، ونأمل أن يستمرّ ذلك على مختلف المستويات، مع رفع الغطاء الكامل عن كلّ من يخلّ بالأمن الاجتماعي للناس، نظراً إلى التداعيات التي تحصل من هذه الآفة التي باتت تفتك بشبابنا وشاباتنا، وتهدّد النسيج الاجتماعي والعائلي والأمني الداخلي.

القدس قبلة قضايانا

ونصل إلى يوم القدس، الَّذي يأتي في كلّ سنة في مثل هذا اليوم، ليذكرنا بالقضيّة التي ينبغي ألا تغيب عن بالنا، حتى نجعلها قبلة قضايانا، ولا سيَّما في هذه المرحلة، بعد قرار الرئيس الأميركي نقل سفارته إليها وإعلانها عاصمةً للعدوّ.

ونحن عندما نتحدث عن القدس، فإننا لا نراها قضية خارجية، فهي تقع في عمق قضايانا، فالقدس بالنّسبة إلينا هي قضية تتصل بإنسانيّتنا، لأنها تشير إلى ظلم شعب انتهكت كرامته، وهي قضية تتصل بالرسالات السماوية، فهي مهد السيّد المسيح(ع)، وقبلة المسلمين الأولى، ومسرى رسول الله(ص) ومعراجه، وهي تمثل عنواناً للقضية الفلسطينية التي إن تركناها وسمحنا لها بأن تسقط، فسيؤدّي ذلك إلى أن تستباح مقدَّساتنا وأراضينا كلها.

إننا نريد لهذه المناسبة أن تكون محطة لاستنهاض الشعوب العربية والإسلامية، ولإعادة توجيه بوصلتها نحو القدس، بعدما ابتعدت عنها، ولتأكيد وقوفنا مع الشعب الفلسطيني في نضاله ومواجهته لغطرسة العدوّ، ومع كلّ الذين يعملون في الليل والنهار لإبقاء هذه القضية حاضرةً في العقل والقلب والوجدان.

Plus
T
Print
كلمات مفتاحية

حول العالم

العلامة فضل الله

خطبة الجمعة

خدمة الفقراء

مسجد الحسنين

يهمنا تعليقك

أحدث الحلقات

محاضرات دينية لسماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي

التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في هذا العصر | محاضرة دينية للعلامة السيد عبدالله الغريفي

16 أيار 24

محاضرات دينية لسماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي

التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في هذا العصر | محاضرة لسماحة العلامة السيد عبدالله الغفيري

14 أيار 24

محاضرات دينية لسماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي

حديث الجمعة - الدنيا - آخر الزمان | محاضرة لسماحة العلامة المرجع السيد عبدالله الغفبري

07 أيار 24

يسألونك عن الإنسان والحياة

يسألونك عن الإنسان والحياة | 07-5-2024

07 أيار 24

حتى ال 20

تعاطى فعقر | حتى العشرين

06 أيار 24

من الإذاعة

قطاع الرياضة في جمعية المبرات الخيرية | STAD

06 أيار 24

من الإذاعة

ثمانية وثلاثون ربيعا والبشائر تزهر بمحبتكم | حلقة خاصة

06 أيار 24

يسألونك عن الإنسان والحياة

يسألونك عن الإنسان والحياة | 06-5-2024

06 أيار 24

موعظة لسماحة الشيخ علي غلوم

ذكر الموت | موعظة لسماحة الشيخ علي غلوم

03 أيار 24

خطبتا صلاة الجمعة

خطبتا وصلاة الجمعة لسماحة السيد علي فضل الله | 03-5-2024

03 أيار 24

خطبتا صلاة الجمعة

خطبتا وصلاة الجمعة لسماحة السيد علي فضل الله | 03-5-2024

03 أيار 24

من الإذاعة

عندما يناضل التراث الفلسطيني | فلسطين حرة

03 أيار 24

[خطبة الجمعة]

قمّة العبادة مساعدة الفقراء والمحتاجين

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.

من هم المتّقون؟!

يطرح القرآن الكريم في هذه الآية معادلةً واضحةً وصريحةً، تقول إنّه لا تكتمل علاقة الإنسان بالله، ولا يبلغ ما عنده تعالى مما وعد به عباده بأداء الواجبات العباديّة فحسب، بل إنّها تكتمل بخدمة النَّاس من حوله والقيام بمسؤوليّاتهم. ولذلك، نجد الآية التي تلوناها، عندما تحدّثت عمّا يؤدّي إلى بلوغ المتقين درجة التقوى، وحصولهم على جنات وعيون، لم تكتف منهم بقيام الليل، ولا باستغفارهم، بل أشارت إلى أنّ ذلك لا بدّ من أن يقترن ببذلهم المال للسائل والمحروم.

ففي حسابات الله، لا موقع عنده للأنانيّين الذين يفكّرون في أنفسهم، وتأمين حاجاتهم ومتطلّباتهم وراحتهم وراحة عائلاتهم، دون أن يبالوا بمعاناة الآخرين، أو بما يواجهونه من شظف الحياة وصعوباتها. ولذلك، قرن الله حبّه بحبّ عياله؛ كلّ عياله، وهو في ذلك لم يفرّق بين عياله الذين قد يختلفون في أديانهم ومذاهبهم.

فقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص): "الخلق كلّهم عيال الله، وأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله"، و"... من أدخل على أهل بيت مؤمنٍ سروراً"، و"... من مشى مع أخيه في حاجة".

قمّة العبادة

وهو في الشّكر والامتنان، اعتبر أن شكر الإنسان لله لا يكفي، بل لا بدّ من أن يُقرَن بشكر الناس الذين كان لهم دور في حياته. وقد ورد في الحديث عن الإمام زين العابدين(ع): "أشكركم لله، أشكركم للنّاس". وورد عنه أيضاً: "يقول الله تبارك وتعالى لعبدٍ من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك يا ربّ. فيقول: لم تشكرني إن لم تشكره". وقد اعتبر أنّ مظهر أن يصل الإنسان إلى قمّة العبادة، يتجلّى في أن يكون في خدمة الناس وقضاء حوائجهم، فقد ورد في الحديث: "إنّ الإنسان إذا بلغ القمّة في العبادة، أصبح مشّاءً في حوائج الناس".

وقد رهن الله عونه لعبده، إن هو احتاج عونه، بعونه لأخيه الإنسان المؤمن، حيث ورد عن رسول الله(ص): "إنَّ الله في عون المؤمن، ما كان المؤمن في عون أخيه".

وإذا تعرّضت علاقة الإنسان بالله لخللٍ بسبب الذّنوب أو المعاصي التي يرتكبها بحقّ الله سبحانه، فإنَّ الله جعل الطريق إلى إصلاح الأمر معه، وتصويب العلاقة به، بالتوجه إلى إعانة ذوي الحاجة من خلقه، بإغاثتهم وسدّ حاجاتهم.

وقد ورد عن الإمام عليّ(ع): "من كفَّارات الذّنوب العظام، إغاثة الملهوف، والتَّنفيس عن المكروب". وهذا ما نجده في الكفارات التي تجب عند مخالفة النّذر أو العهد أو إفطار العمد، أو غير ذلك، حيث جعل الطريق إلى التكفير عن هذه الذنوب، إطعام المساكين والفقراء.

واجب لا اختيار

والله سبحانه وتعالى من حرصه على عباده، لم يترك أمر إعانة الناس وسدّ حاجاتهم أمراً اختياريّاً، بل أوجبه عليهم، عندما أوجب الزّكاة، فقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التّوبة: 103]. وقد ورد في الحديث عن الصّادق(ع): "إنَّ الله تعالى فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أنَّ ذلك لا يسعهم لزادهم". ووصف الزّكاة قائلاً: "إنّما وضعت الزّكاة اختباراً للأغنياء، ومعونةً للفقراء، ولو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم، ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً، ولاستغنى بما فرض الله عزّ وجلّ له، وأنّ النّاس ما افتقروا، ولا احتاجوا، ولا جاعوا، ولا عروا، إلّا بذنوب الأغنياء".

كما دعا الله سبحانه إلى أداء واجب الخمس كواجب ماليّ آخر، فقال: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[الأنفال: 41]. فهو جعل الفقراء وكلّ ذوي الحاجة، شركاء للأغنياء فيما عندهم، وهم عندما يعطون، لا يمنّون عليهم بعطائهم، بل يؤدون واجباً ومسؤولية وحقاً عليهم.

ولم يقتصر ذلك على الواجبات، فقد حثّ سبحانه وتعالى على الصدقات، وعزّز من أهميتها، عندما اعتبرها السبيل إلى الوقاية من النّار، وأنّها تُطفئ غضب الرّبّ، وتدفع البلاء، وتستنزل الرّزق، وتزيد في الأعمار، وأنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد العباد، كما أشارت الآية: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ}[التّوبة: 104].

وقد ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال لابنه: "كم فضل معك من تلك النفقة؟ قال: أربعون ديناراً. قال: فاخرج وتصدّق بها. فقال ابنه: إنه لم يبق معي غيرها. قال: تصدَّق بها، فإن الله عزّ وجلّ يخلفها. أما علمت أنّ لكلّ شيء مفتاحاً، ومفتاح الرزق الصدقة، فتصدق بها". وقد كان الإمام زين العابدين(ع) يستبشر عندما يأتي إليه فقير، ويقول: "جاء من يحمل إليَّ زادي إلى يوم القيامة".

علّة الصّيام

والصيام، أيها الأحبة، هذه الفريضة التي أنعم الله بها علينا، هي مصداق لكلّ ما تقدّم. فمن أهداف الصيام، بل علة وجوب الصيام، هي إيقاظ أحاسيس الأغنياء ومشاعرهم تجاه الفقراء. وهنا يقصد بالأغنياء، من يفيض في ماله عن حاجته، لا ما هو متعارف عندنا من كلمة الغنيّ. وليس أقوى من الألم كدافعٍ للتحرّك تجاه الّذين يقضون حياتهم كلّها في الألم والجوع، الجوع الّذي لا ينقضي بانقضاء ساعات النّهار ومجيء وقت الغروب، ولا عند انتهاء الشّهر ومجيء العيد.

فقد ورد في حديث الإمام الصّادق(ع) عن عِلّة الصّيام: "إنّما فرض الله الصّيام ليستوي به الغنيّ والفقير، وذلك أنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع ليرحم الفقير، لأنَّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله تعالى أن يسوّي بين خلقه، وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضّعيف ويحنو عليه".

وما يُظهِر الترابط بين الصيام وسدّ حاجات الفقراء، هو ما ورد في الحكم الشرعيّ، أن البديل من الصيام لمن لم يستطع أداءه، لعجز أو مرض، هو إطعام مسكين عن كلّ يوم. ولذا قال: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. ونجد ذلك أيضاً في ما فرضه الله في نهاية شهر رمضان في يوم العيد، حيث دعا الصائمين حتى يكملوا صيامهم، إلى أن يدفعوا زكاة الفطرة، فلا يكتمل الصّيام إلا بها.

لذا، أفاض رسول الله(ص) في خطبته في شهر رمضان، في الدعوة في هذا الشّهر إلى مساعدة الفقراء، وإكرام الأيتام والتحنّن عليهم، وإفطار الصائمين. ولم يقف الاهتمام في شهر رمضان على إطعام الفقراء والمساكين وإكرام الأيتام، بل وسّع رسول الله(ص) من دائرة الاهتمام إلى كلّ من يعانون في الحياة، من خلال ما ورد في الدعاء الذي يستحبّ قراءته في كلّ يوم من أيام شهر رمضان: "اللّهمّ أدخل على أهل القبور السرور، اللّهمّ أغنِ كل فقير، اللّهمّ أشبع كلّ جائع، اللّهمّ اكسُ كلّ عريان، اللّهمّ اقضِ دين كلّ مدين، اللّهمّ فرِّج عن كلّ مكروب، اللّهمّ رُدَّ كلّ غريب، اللّهمّ فكّ كلّ أسير، اللّهمّ أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، اللّهمّ اشفِ كلّ مريض، اللّهمّ سُدَّ فقرنا بغناك، اللّهمّ غيِّر سوء حالنا بحسن حالك، اللّهمّ اقضِ عنا الدَّين وأغننا من الفقر، إنَّك على كل شيء قدير". فهو تحدّث عن إدخال السرور على من هم في القبور، ورعاية الفقراء والمساكين والمدينين، وإعانة المكروبين والمهمومين والمظلومين، ومساعدة المرضى والوقوف في وجه الفاسدين.

المبادرات المطلوبة

إننا أحوج ما نكون إلى تعزيز هذه الروح؛ روح العطاء والشعور بالمسؤولية تجاه من يعانون، وتعزيز التعاون داخل المجتمع، بعد أن تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي، حيث يزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى، ما يستوجب تكاملاً وتعاوناً من أجل القيام بهذه المسؤوليّة. ونحن مع حرصنا على إبقاء المبادرات الفردية، وهي ضرورية، ولكن يبقى الأساس هو تعزيز المبادرات الجماعية، عبر إنشاء جمعيات أو لجان، سواء أكانت لجان أحياء أو داخل قرية، أو لجان مساجد، للقيام بحلّ هذه المشكلات، أو بمدّ يد العون للجمعيات والمؤسّسات التي تحمل هذا العبء، والتي باتت تنوء بحمل هذه المسؤوليّات، والتي من مسؤولية المجتمع كلّه أن يقف معها، وأن يسندها بالدعم والنصح والتسديد والنقد، لكنّه النقد البنّاء لا الهدّام، كما يجري في الهواء الطلق.

فلا يكفي انعدام القدرة المادية أو الجهد الفرديّ كعذرٍ أمام الله لعدم القيام بالمسؤوليّات تجاه هؤلاء وخدمتهم، بل حتى يكون الإعذار، لا بدّ من أن نضم جهودنا إلى جهود الآخرين ونعمل معهم.

معيار قبول الأعمال

إن علينا أن نعتبر، ونحن على أعتاب وداع شهر رمضان، أنّ إعانة الفقراء وذوي الحاجة، هو مقياس نجاحنا في القيام بمسؤوليات هذا الشّهر، ولقبول عملنا فيه. فالله لن يكتفي حتى يتقبل منا أعمالنا في هذا الشهر، أن نؤدّي فيه صيامنا وقيامنا وتلاوة القرآن والدعاء وإحياء ليالي القدر، بل سيقول لنا ماذا قدمتم لعيالي وبماذا خدمتموهم؟!

فلنستفد من الأيام القليلة المتبقّية، حتى نؤدي واجب هذا الشهر علينا، وإذا لم نستطع أن نقوم بما علينا في هذا الشهر من مسؤوليّات، فلنتوجه إلى الله، لنعلن بين يديه: "اللّهمّ أدّ عنا حقّ ما مضى من شهر رمضان، واغفر لنا تقصيرنا فيه، وتسلّمه منا مقبولاً، ولا تؤاخذنا بإسرافنا على أنفسنا، واجعلنا من المرحومين، ولا تجعلنا من المحرومين".

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي، ونحن نستعيد ذكرى فتح مكّة التي تمرّ علينا اليوم في الرابع والعشرين من شهر رمضان، بأن نستهدي بهدى رسول الله(ص)، فهو رغم كلّ القوّة التي توافرت له عندما دخل مكّة، لم يدخلها دخول الفاتحين الذين يستعرضون قوّتهم أمام من انتصروا عليهم، أو دخول من يريد الثّأر من أهلها الذين آذوه أذى قال عنه: "ما أوذي نبيٌّ مثلَما أوذيتُ"، وتآمروا عليه حتى أخرجوه منها، ولم يكفوا عنه بعد أن هاجر إلى المدينة، بل أعلنوا الحرب عليه؛ تلك الحرب التي قُتل فيها أعز الناس لديه.

لقد دخلها بقلب خاشع ومليء بالرحمة، دخلها، كما تقول السيرة، وذقنه على راحلته، ساجداً لله، يردّد عبارات الشكر والثناء له سبحانه، وقد حرص على أن لا يرفع أيّ شعار مستفز، فطلب من عليّ(ع) أن ينادي بالناس: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمى الحرمة"، وأمر أن لا يتعرض أحدٌ لأحد من أهلها.

وعندما اجتمعت إليه قريش برجالها ونسائها، سألهم: "ماذا ترون أني فاعل بكم وما تظنون!"، فقالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم"، فنحن لا نعهدك إلا بذلك، فقال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، فأنا لا أتحرك من وحي ردّ فعل، أنا صاحب رسالة، وكل دوري معكم في كلّ ما قمت به، أن أنتشلكم من جهلكم وتخلفكم، وأن تحترموا إنسانيتكم، أن لا تعبدوا حجراً ولا بشراً، بل أن تعبدوا الله الذي يريد كلّ الخير بكم. لم يفرض الرسول(ص) عليهم أن يدخلوا في الإسلام، ولم يشترط العفو عنهم بذلك، بل ترك لهم الحريَّة، لكنهم عادوا وأسلموا، بعدما رأوا الإسلام بكلّ رحمانيته أمامهم، وراحوا {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً}.

هذا هو رسول الله(ص)، الذي كان في كل حياته، وفي رسالته، تعبيراً عملياً للرّحمة، وهو الّذي قال الله سبحانه عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. لقد دخل رسول الله القلوب وبلغ العقول، لا من موقع ضعف، بل من موقع قوّة، ولو كان غير ذلك، لانفضوا من حوله ولتفرقوا عنه.

بهذه الروح، نصل إلى قلوب الناس وعقولهم، ونواجه التحدّيات.

في انتظار تنفيذ الوعود

والبداية من لبنان، حيث لايزال اللبنانيون ينتظرون من القوى السياسية أن تفي بالتزاماتها التي وعدت بها عشية الانتخابات، بتفعيل عمل المؤسّسات، لتساهم في حلّ الأزمات التي يعانيها البلد على مستوى محاربة الفساد، أو لعلاج المشاكل المستعصية والمتراكمة، أو لوقف تداعيات ما يجري من حوله. فبعد استكمال عقد المجلس النيابي، ينتظر اللّبنانيّون الإسراع في تأليف الحكومة التي يقع عليها عبء تنفيذ كلّ هذه الوعود والالتزامات.

ومع الأسف، فهذا ما لم يلمسه اللّبنانيون بعد، ولم تظهر جدّيته، في ظلّ الشروط التعجيزية أو غير الواقعية، سواء تلك التي تتعلق بالشكل، أو بتحديد الأحجام، أو بتوزيع الحقائب، أو بمشاركة هذا الفريق السياسي أو ذاك، ما يجعل هذه المهمة صعبة.

ونحن في ذلك، نعيد دعوة كلّ القوى السياسية إلى أن تكون جادة في دعوتها إلى الإسراع في تأليف الحكومة، وتنفيذ وعودها تجاه مواطنيها، وعدم الإصغاء إلى إملاءات من هنا وهناك. وهذا لن يحصل ما لم تتواضع في مطالبها، وتأخذ بالحسبان مصلحة الوطن. فالوطن لا يبنى إلا ببذل التضحيات، وتقديم التنازلات، وتحقيق المشاركة بين كل مكوّناته.

حقّ أم استنسابيّة؟!

في هذا الوقت، طغى مرسوم التجنيس على ما عداه، بفعل التجاذب السياسي الموجود في البلد، ولما تركه هذا المرسوم من علامات استفهام حول الأسباب التي دعت إليه في هذه المرحلة، والخلل الّذي قد ينتج منه على المستوى الطائفي أو السياسي، وما يتعلق بملفّ توطين الفلسطينيين أو السوريين.

ونحن في هذا المجال، لن ندخل فيما دخل به البعض من المسّ بالخلفيات التي دعت إلى هذا القرار، ولكنّنا كنا نأمل أن يُقارب بمنتهى الشفافية والوضوح، نظراً إلى تداعيات مثل هذا القرار على صورة العهد الّذي نصرّ على أن لا يشوبه أيّ شيء، وهو الذي أخذ على عاتقه مواجهة الفساد وبناء الدّولة القوية. ومن أولويات ذلك، الشفافية، وفق القاعدة التي تقول إنَّ علينا ألا نفعل شيئاً في السرّ نستحي منه في العلن.

إنّ ما جرى، يستدعي الإسراع في توفير كلّ السبل لتحديث قانون الجنسية، بحيث لا يخضع للاستنسابية، فيحرم أولاد المرأة اللبنانية المتزوّجة من أجنبي من الجنسية، أو من قدّموا خدمات جليلة للوطن.

الإخلال بالأمن مرفوض

وفي مجال آخر، وفي إطار مكافحة المخدّرات، فإننا ننوّه بالجهود التي تقوم بها القوى الأمنية في ملاحقة تجار المخدّرات ومروّجيها، كما حصل في الأيام السابقة، ونأمل أن يستمرّ ذلك على مختلف المستويات، مع رفع الغطاء الكامل عن كلّ من يخلّ بالأمن الاجتماعي للناس، نظراً إلى التداعيات التي تحصل من هذه الآفة التي باتت تفتك بشبابنا وشاباتنا، وتهدّد النسيج الاجتماعي والعائلي والأمني الداخلي.

القدس قبلة قضايانا

ونصل إلى يوم القدس، الَّذي يأتي في كلّ سنة في مثل هذا اليوم، ليذكرنا بالقضيّة التي ينبغي ألا تغيب عن بالنا، حتى نجعلها قبلة قضايانا، ولا سيَّما في هذه المرحلة، بعد قرار الرئيس الأميركي نقل سفارته إليها وإعلانها عاصمةً للعدوّ.

ونحن عندما نتحدث عن القدس، فإننا لا نراها قضية خارجية، فهي تقع في عمق قضايانا، فالقدس بالنّسبة إلينا هي قضية تتصل بإنسانيّتنا، لأنها تشير إلى ظلم شعب انتهكت كرامته، وهي قضية تتصل بالرسالات السماوية، فهي مهد السيّد المسيح(ع)، وقبلة المسلمين الأولى، ومسرى رسول الله(ص) ومعراجه، وهي تمثل عنواناً للقضية الفلسطينية التي إن تركناها وسمحنا لها بأن تسقط، فسيؤدّي ذلك إلى أن تستباح مقدَّساتنا وأراضينا كلها.

إننا نريد لهذه المناسبة أن تكون محطة لاستنهاض الشعوب العربية والإسلامية، ولإعادة توجيه بوصلتها نحو القدس، بعدما ابتعدت عنها، ولتأكيد وقوفنا مع الشعب الفلسطيني في نضاله ومواجهته لغطرسة العدوّ، ومع كلّ الذين يعملون في الليل والنهار لإبقاء هذه القضية حاضرةً في العقل والقلب والوجدان.

حول العالم,العلامة فضل الله, خطبة الجمعة, خدمة الفقراء, مسجد الحسنين
Print
جميع الحقوق محفوظة, قناة الإيمان الفضائية