ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما دعانا إليه الله سبحانه وتعالى في هذا الشّهر شهر ذي القعدة والّذي هو واحد من الأربعة أشهر الحرم وهي رجب وذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم، فقد أراد الله عزّ وجلّ لهذه الأشهر أن تكون أشهر سلام وأمان وطمأنينة، أشهرًا تجمّد فيها الحروب والتوتّرات والنّزاعات والخلافات مهما عظمت وكبرت وعلى كل الصعد حتى الفردية منها، وأن تكون أشهرًا للعبادة والبذل والعطاء. ففي هذه الأشهر تتضاعف الحسنات، فيما ينبغي أن نبتعد من الوقوع في السّيئات الّتي هي أيضًا تتضاعف هذا الشّهر...
فلنغتنم فرصة هذا الشّهر بأن نجعله شهرًا يفيض علينا بالخير والبركة والأمن والأمان في الدّنيا وفي الآخرة ونكون به قادرين على مواجهة التّحديات.
والبداية من العدوان الاسرائيلي المستمر الّذي استهدف أخيرًا الضّاحية الجنوبيّة في تصعيد جديد بذريعة واهية اعتدنا عليها مع هذا الكيان وهذا ما أكّده الجيش اللبناني بعد استطلاعه للمكان فيما هو يتابع اعتداءاته في عمليّات الاغتيال الّتي تستهدف اللبنانيين في قراهم وأماكن عملهم أو عبر طائراته التجسسيّة الّتي تجوب المناطق اللبنانيّة وتصل إلى بيروت. وقد أصبح واضحًا أنّ العدو يهدف من وراء ذلك إلى مزيد من الضغط على هذا البلد لتقديم تنازلات يريدها أن تكون لحسابه، وأنّه لن يكتفي بما التزمت به الدّولة اللبنانية والمقاومة التزامًا كاملًا منها بتنفيذ كل بنود اتفاق وقف إطلاق النار...
يجري كل ذلك تحت أنظار اللجنة المكلّفة باتفاق وقف إطلاق النار التي لم تتّخذ أي اجراء بحق تهديدات هذا العدو واعتداءاته، ما يشير إلى استمرارها في اعطاء العدو حريّة الحركة. وهي، على رغم التغيير الذي حصل في رئاستها على الصّعيد العسكري... لا يبدو أنّ هذا التغيير سينعكس على صعيد أدائها أو يفعّل عملها لإيقاف العدوان وخرق الإتّفاق حيث يبقى ذلك مرهونًا بقرار سياسي لم يأت حتى الآن وقد لا يأتي.
وهنا ننوّه بالموقف الرسمي الموحّد والّذي عبّر عنه الرؤساء الثلاثة، والذي دعا رئيس اللجنة المكلفة بوقف إطلاق النّار إلى العمل بكل جدية لوقف اعتداءات الكيان الصهيوني. ونحن نريد أن يُتابع هذا الموقف الّذي أعلنته الدّولة بقوّة وأن يُعزّز بموقف لبناني موحد من كل الحريصين على سيادة هذا البلد وأمنه واستقراره.
إن من المؤسف أن نشهد في هذا البلد من لا يزال يبرّر لهذا العدو اعتداءاته، ويتعامل مع المقاومة كأنّها هي من تحتل أرضًا أو هي التي تعتدي يوميا برا وبحرا وجوا وكأنّ اللبنانيين الّذين يعانون من الاحتلال وعدوانه ومن التّهجير والخسارة الكبيرة في الأرواح والممتلكات ليسوا جزءًا من هذا البلد واساسا لمنعته واستقراره.
ونبقى في لبنان لنعيد التّأكيد على اللبنانيين الذين سيقدمون في الأيام والأسابيع القادمة على اختيار من يمثّلونهم في المواقع البلدية والاختيارية أن يقدموا نموذجًا جديدًا في اختيار من يمثلونهم بأن لا يأتي بناءً على العصبيّات الحزبيّة والعائليّة والطائفيّة أو المصالح الخاصّة أو الفئوية بل باختيارهم الأكفاء الجديرون بحمل المسؤولية التي يتولونها ومن يعرفون بنظافة الكف ومن لا يستغلون مواقعهم لحساباتهم الخاصة أو للجهة التي يمثلونها بل لكل أبناء بلدتهم أو مدينتهم، والّذين لم يفشلوا في تجاربهم السّابقة.
إنّنا لا نريد أن تتحوّل المواقع البلدية إلى مواقع للصّراع السّياسي والطّائفي والمذهبي والمناطقي بل أن تؤدّي دورها بأن تكون ميدانًا للإنماء وخدمة النّاس وتحسين القرى والبلديات التي يتولونها. وعلى النّاخبين أن يعوا أنّهم بانتخابهم سيتحمولون مسؤوليّة سوء اختيارهم أمام الله سبحانه وتعالى والنّاس حيث ورد في الحديث والّذي لا بدّ أن نضعه نصب أعيننا عند أي اختيار "من ولّى أحدًا أمرًا وفي الناس خير منه لا يشم رائحة الجنة".
ونصل الى سوريا التي يتواصل فيها النّزيف الداخلي وعدم الاستقرار والّذي نشهد تجلياته اليوم في التوتر الذي يتخذ بعدًا طائفيًا ما يسمح بإعلاء أصوات من يدعو إلى التقسيم او الفدرلة أو طلب الحماية من الخارج، وهو الّذي شجّع ويشجّع الكيان الصهيوني على الدخول على خطّ هذا البلد كما يحصل اليوم تحت عنوان حماية الأقليّات والذي وصل إلى حدّ استهدافه للعاصمة دمشق وعلى مقربة من القصر الرئاسي.
إنّنا أمام ما يجري نجدّد دعوتنا للسلطة الجديدة كي تضاعف جهودها للقيام بدور جدّي وحقيقي في تعزيز التّلاحم بين كل المكوّنات الدينيّة والمذهبيّة والعرقيّة ومنع الأيادي العابثة في هذا البلد من أن تملك الحريّة فيه وتسمح بتهديد أمنه واستقراره.
وهنا ننوّه بالموقف الحكيم الذي اتخذه المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز برفض الفتنة والمس بوحدة النسيج السوري والتأكيد على انتمائه العربي والاسلامي وإلى عدم السماح للكيان الصهيوني بتوظيف الأحداث الأخيرة لحسابه وعلى حساب وحدة هذا البلد واستقراره ومشروعه التّقسيمي لسوريا، وفي رفضه لأي ممارسات أو ردود فعل تؤدي لنقل الفتنة إلى السّاحة اللبنانيّة.
ونصل إلى غزّة التي يستمرّ العدو فيها بمجازره اليومية والّتي يعلن أنّها قد تتصاعد في الأيام القادمة وفي وقت يستمر الحصار المطبق والّذي شهدنا اليوم مظهرًا من مظاهره في الهجوم على سفينة أسطول الحريّة التي جاءت بمبادرة من نشطاء دوليين وحقوقيين وتهدف إلى كسر الحصار عن غزّة ضاربًا بعرض الحائط كل المناشدات الدولية والّتي كان آخرها مناشدات الأمين العام للأمم المتحدة، لوقف حرب الابادة هناك، وكل المبادرات الّتي تطرح لانهاء هذه الحرب، ما يستدعي موقفًا عربيًا واسلاميًا جاد للضغط على هذا العدو لايقاف حربه الجنونية على الشّعب الفلسطيني في غزّة والحؤول دون مواصلة عدوانه للاطباق الكامل عليها مستفيدًا من صمت العالم ومن الدّعم غير المحدود الّذي يحظى به هذا الكيان.