ألقى سماحة الشيخ زهير قوصان نيابة عن العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
والبداية من غزة التي يواصل العدو فيها ارتكاب أبشع أنواع المجازر، ويحاول تسجيل نصر وهمي من خلال السيطرة على معبر رفح لاستخدامه في المفاوضات وفرض شروط جديدة بعدما استطاعت المقاومة أن تسجل عليه أكثر من نقطة في عملية التفاوض غير المباشرة، وفي ساحة الميدان، وخصوصاً في العمليات الأخيرة التي اعترف بأنه دفع فيها ثمناً باهظاً من قتلاه وجرحاه.
وفي موازاة ذلك تتكشف المزيد من المقابر الجماعية التي حاول الاحتلال إخفاءها تحت رمال غزة، وخصوصاً التي ارتكبها في المستشفيات والمراكز الصحية، ولا سيما في مستشفى الشفاء، لتنكشف صفحة جديدة من صفحات حرب الإبادة الجماعية التي حاول الاحتلال من خلالها دفع الفلسطينيين للهجرة وترك غزة أرضاً غير قابلة للحياة...
إننا أمام هول هذه المجازر المتوالية، وأمام إصرار رئيس وزراء العدو على مواصلة حربه المجنونة لتحقيق بعض الأهداف التي عجز عن تحقيقها أمام المقاومة الفلسطينية الباسلة، نحيي الشعب الفلسطيني على تصديه البطولي المتواصل لهذا العدو المدعوم بآلة القتل الأميركية والتي تحاول الإدارة الأميركية الإيحاء بأنها خففت من حجم هذا الدعم لأسباب سياسية وانتخابية ولكنها تواصل إمداده بكل وسائل العدوان والتغطية السياسية والإعلان بأنه جزء من الأمن القومي الأميركي وأن الالتزامات الأميركية حياله لا تتزعزع...
كما نحيي المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها والتي تثبت يوماً بعد يوم عجز العدو عن كسر إرادتها ووقف عملياتها، وندعو الدول العربية والإسلامية إلى القيام بواجباتها حيال هذا الشعب والتخلي عن دور الوساطة بينه وبين جلاديه والعمل على رفع الصوت أو حتى الإيحاء للعدو بأن استمراره في حرب الإبادة هذه سوف تنعكس عليه من خلال إفساحها في المجال للحركة في الشارع العربي والإسلامي إذا كانت عاجزة عن مدّه بوسائل المساعدة المباشرة، وعلى الأقل لتبدو صورة هذا الشارع كصورة الحراك الطالبي في الجامعات الأميركية والأوروبية، وهنا نحيي كل المواقف الحرة التي انبرت لتدافع عن الشعب الفلسطيني في الغرب في الوقت الذي تحسب الدول العربية والإسلامية أكثر من حساب إذا أرادت أن تبدي رفضها للحرب الصهيونية المتواصلة...
إننا نعتقد أن الطريق أمام العدو بات مسدوداً ــ كما يعترف بذلك قادة أجهزته الأمنية ــ وأن سعيه للهروب إلى الأمام بالمزيد من المجازر على رفح لن ينقذه من المستنقع الذي غرق فيه، لا سيما بعدما أظهرت المقاومة أمام شعبها والعالم حرصها على إنهاء الحرب بعد قبولها بالاتفاق الأخير لتحمل بذلك العدو المسؤولية في مواصلة الحرب، ما يزيد من عزلة الكيان ومن تدهور سمعته الدولية، والتي لن ينقذه منها إمعانه في الحرب والتي تزيد من مأزقه السياسي سواء بتعرضه إلى المزيد من الإدانات العالمية، أو مأزقه العسكري، بعدما أخذت القوى المساندة في لبنان واليمن والعراق بتصعيد ضرباتها، ما سيدفعه أخيراً للرضوخ إلى مطالب العالم بقبول الهدنة أو وقف إطلاق النار.
ونصل إلى لبنان الذي استطاعت المقاومة فيه أن تسدد ضربات مؤلمة للعدو في الأيام الأخيرة اعترف فيها بعدد من القتلى والجرحى وحاول أن يرد عليها بالمزيد من الغارات والتهديدات التي كان آخرها قول وزير حربه بأن الصيف القادم قد يكون ساخناً على الجبهة مع لبنان، في محاولة للتهويل مجدداً على اللبنانيين ومقاومتهم التي عرفت كيف تتعامل مع هذا العدو وترد كيده إلى نحره وتجعله يعترف بأن لجوئه إلى خيار الحرب الواسعة سوف يجعله يدفع الثمن مضاعفاً...
وهذا ما يؤكد أن قرارها بفتح المعركة مع العدو غداة السابع من أكتوبر مساندة للشعب الفلسطيني وحماية للبنان وأهله كان قراراً صائباً.
وهنا نؤكد أنه على اللبنانيين الحفاظ على وحدتهم وتماسكهم، وخصوصاً بعدما وصل ردهم للعدو على المبادرة الفرنسية ومؤدّاه أن لبنان ليس في موقع الضعيف لكي يتنازل للعدو، بل على العدو أن يوقف اعتداءاته وحربه على غزة وأن يلتزم بالقرار 1701 قبل أن يطلب من اللبنانيين تنفيذه أو يبعث بشروط جديدة.
إن لبنان أمام مرحلة صعبة تستدعي الوحدة في المجالات كافة وخصوصاً أمام التحديات التي تتصل بالفراغ في موقع الرئاسة الأولى، وملف النازحين...
وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية الصعبة والتي أنهكت البلد في السنوات الأخيرة، وبالتالي فلسنا بحاجة لمن يصب الزيت على النار ويؤلبنا بعضنا على بعض، أو الإيحاء للموفدين وغيرهم بأن اللبنانيين على اختلاف في القضايا الرئيسة التي تمس سيادتهم وأمنهم ومستقبل بلدهم، بل هم كتلة واحدة في مواجهة المحتل وفي العمل لحفظ البلد وصون أمنه واستقراره وسلامه الاجتماعي ومستقبل أجياله.