Logo Logo
الرئيسية
البرامج
جدول البرامج
الأخبار
مع السيد
مرئيات
تكنولوجيا ودراسات
أخبار العالم الإسلامي
تغطيات وتقارير
أخبار فلسطين
حول العالم
المزيد
مسلسلات
البرامج الميدانية
البرامج التخصصية
برامج السيرة
البرامج الثقافية
برامج الأطفال
البرامج الوثائقية
برامج التغطيات والتكنولوجيا
المزيد

فضل الله في ذكرى ولادة الرَّسول (ص): مدعوّون لأن نحمل الرَّحمة للنَّاس

25 أيلول 23 - 12:00
مشاهدة
327
مشاركة
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ} صدق الله العظيم.

تمرّ علينا في الثاني عشر أو في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل، على اختلاف الروايات في ذلك، ذكرى ولادة نبيّ الرّحمة وقائد الخير ومفتاح البركة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ).


هذا النبيّ الَّذي حظي برعاية الله وتسديده وتأييده منذ أن وجد على هذه الحياة، مما أشار إليه الله عزّ وجلّ عندما قال {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} وعندما قال {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} ليكون كما أراده الله عزَّ وجلّ، للناس هادياً ومبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ورحمةً لهم. لذا، نشهد له اليوم كما نقول في زيارته: «أشهد أنَّك قد بلّغت الرسالة، وأدَّيت الأمانة، ونصحت الأمَّة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وجاهدت في الله حقّ جهاده، حتى آتاك اليقين».

ونحن اليوم سنستفيد من هذه المناسبة الكريمة، لنتوقَّف عند واحدة من الصفات التي تميّز بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، وجعلته مهوى أفئدة المؤمنين، وفتحت قلوب النَّاس عليه وعلى رسالته، وهي الرَّحمة التي أشار إليها الله سبحانه عندما تحدَّث عن رسوله (صلى الله عليه وسلم )، فقال: {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

وعندما قال {للَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ}...

وقد بيَّن الله سبحانه ما أدَّت إليه هذه الرحمة، عندما قال {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}...

فبالرحمة استطاع رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أن يبلغ قلوب النّاس ويصل إلى عقولهم، ولو كان فظّاً في لسانه، قاسي القلب، لما بقي معه أحد.

ورحمة رسول الله لم تقف عند الَّذين أحبّوه وساروا معه والتزموا برسالته، بل بلغت حتى أولئك الَّذين ناوأوه وعادوه ورفعوا عليه سيف العداوة.

مواقف من رحمة النبي

ونحن اليوم سنشير إلى بعض المواقف التي أشارت إلى هذه الرَّحمة وإلى ما أدّت إليه:

الموقف الأوَّل: حصل في معركة أحد، عندما اشتدّ أذى المشركين برسول الله (صلى الله عليه وسلم )، ووصل إلى حدّ أن كسرت رباعيَّته وشجَّ رأسه، وقُتل فيها عمّه الحمزة، ومُثّل بجسده، واستشهد العشرات من أعزّ أصحابه، يومها، جاء إليه بعض أصحابه وقالوا له: يا رسول الله، ادع عليهم بعذاب من عنده كما عذَّب المشركين الأوائل بدعوة أنبيائهم عليهم. فقال لهم: «إنّي لم أُبعث لَعّاناً، ولكنّي بُعثت داعياً ورحمةً»، لذا ما كان يكفّ عن دعائه لهم بالقول: «اللّهمّ اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون».

الموقف الثاني: بينما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) جالساً بين أصحابه، أقدم رجل يهوديّ يدعى زيد بن سعنة على شدّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم ) من مجامع ثوبه، وشدَّه شدّاً عنيفاً، وقال له: أوفِ ما عليك من الدَّين يا محمَّد، إنكم يا بني هاشم قوم تماطلون في أداء الدَّين. وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يومها قد استدان من اليهوديّ بعض الدَّراهم، ولكن لم يحن بعد موعد سدادها، فأخذ رجل من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) سيفه يريد ضرب عنق اليهوديّ بسبب إساءته هذه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، لكنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم ) نهاه عن ذلك وقال له: «مره بحسن الطَّلب، ومرني بحسن الأداء»، عندها قال له اليهودي: والذي بعثك بالحقّ يا محمّد، ما جئت لأطلب منك ديناً، إنما جئت لأختبر أخلاقك، فأنا أعلم أنَّ موعد الدَّين لم يحن بعد، ولكني قرأت جميع أوصافك في التَّوراة، فرأيتها كلها متحقّقة فيك، إلّا صفة واحدة لم أجرّبها معك، وهي أنَّك حليم عند الغضب، وأنَّ شدَّة الجهالة لا تزيدك إلّا حلماً، ولقد رأيتها فيك الآن. وأسلم بعدها اليهودي بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، واستشهد في إحدى معاركه.

الموقف الثالث: ورد أنّ سرية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم ) كانت تتولى حراسة الطّرق المحيطة للمدينة، أسرت ثمامة بن مالك، ملك اليمامة، وكان في طريقه إلى مكَّة. وثمامة هذا كان قد قتل بعضاً من صحابة رسول الله في إحدى المعارك مع المسلمين، وتوعَّد آنذاك بقتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) إن ظفر به. ولما علم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بالأمر، أمر بأن يُحْسِنُوا إسَارَهُ، وأن يقدِّموا إليه أحسن الطعام والشّراب، بقي على ذلك ثلاثة أيَّام، كان خلالها يتردَّد عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، ويبيِّن له سماحة ما جاء به وما يدعو إليه، بعد هذه الأيَّام الثلاثة، جاء إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وقال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما عندي إلَّا أن أقول إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد مالاً فلك ما تشاء. قال: بل أعفو.

هزَّ هذا الموقف من رسول الله ثمامة، فهو يعفو عنه، وهو من كان يريد قتله، وقتل بعضاً من أصحابه، فمضى، حتى إذا بلغ نخلاً من حواشي المدينة فيه ماء، أناخ راحلته وتطهَّر، ثم عاد أدراجه إلى مسجد رسول الله، وهو يقول: «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه كلّها إليَّ، والله ما كان من دينٍ أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدّين كلّه إليّ، والله ما كان من بلدٍ أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلّها إليّ». ثم قال: «لقد كنت أصبت في أصحابك دماً، فما الَّذي توجبه عليّ؟»، قال (صلى الله عليه وسلم ): «لا تثريب عليك يا ثمامة، فإنَّ الإسلام يجُبُّ ما قبله». بعدها قال ثمامة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم ): «لأصيبنَّ من المشركين أضعاف ما أصبت من أصحابك، ولأضعنَّ نفسي وسيفي ومن معي في نصرتك ونصرة دينك»، وأصبح بعدها من أشدّ المدافعين عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وعن الإسلام، ومن المناوئين لمشركي قريش.

وأبرز مواقف الرَّحمة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، حصلت عندما فتح مكَّة بجيشه، يومها جاءت إليه قريش برجالها ونسائها ينتظرون قراره فيهم، وما هو فاعل بهم بعد كلّ الأذى الذي حصل منهم، والحروب التي شنّوها عليه، قال لهم يومها: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وأوصى أصحابه أن لا يريقوا دم إنسان مهما كان تاريخه، وبذلك سجَّل أروع مثل في العفو والمغفرة والتسامح.

رحمتُهُ (صلى الله عليه وسلم ) في الحروب

أيُّها الأحبَّة: لقد أشارت هذه المواقف إلى مدى رحمة رسول الله، والتي كانت حاضرة في كلّ مراحل دعوته، وحتى في الحروب التي كانت تشنُّ عليه.

فقد ورد في سيرته، أنه كان إذا بعث سريَّة للحرب، يجلسهم بين يديه ويقول لهم: «سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملَّة رسول الله، لا تغلوا ولا تمثِّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلَّا أن تضطرّوا إليها... ولا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبراً».

ومن هنا، فإننا مدعوّون في ذكراه أن نحمل في قلوبنا هذه الرَّحمة للناس، التي تدعونا إلى أن ننتشل من نختلف معهم في الدين أو السياسة أو على الصعيد العائلي، من جهلهم وانحرافهم وسوء تصرّفهم، بدلاً من أن نغلظ عليهم بالقول والفعل كما يحصل عادةً، ما يحوِّلهم من أعداء إلى أصدقاء أو إلى أقلّ عداوة.

وبذلك نبلغ ما وعد به الراحمون، «الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ»، ونصل إلى ما وعد الله به عندما قال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِر}...
Plus
T
Print
كلمات مفتاحية

أخبار العالم الإسلامي

السيد علي فضل الله

ولادة الرسول

أسبوع الوحدة الإسلامية

نبي الرحمة

يهمنا تعليقك

أحدث الحلقات

الدنيا رمضان

الدنيا رمضان | 26-03-2024

26 نيسان 24

في عقيدتي

الشّفاعة | في عقيدتي

25 نيسان 24

يسألونك عن الإنسان والحياة

يسألونك عن الإنسان والحياة | 17-04-2024

17 نيسان 24

من الإذاعة

الحرب الأهلية اللبنانية :نعم للإتّعاظ .... لا للتكرار | حكي مسؤول

16 نيسان 24

يسألونك عن الإنسان والحياة

يسألونك عن الإنسان والحياة | 16-04-2024

16 نيسان 24

أريد حلاً- الموسم الثاني

زواج المسنين | أريد حلاًّ - الموسم الثاني

15 نيسان 24

من الإذاعة

البطولة المدرسية : التنظيم والتحديات | STAD

15 نيسان 24

يسألونك عن الإنسان والحياة

يسألونك عن الإنسان والحياة |15-04-2024

15 نيسان 24

موعظة لسماحة الشيخ علي غلوم

يد الله | موعظة لسماحة الشيخ علي غلوم

12 نيسان 24

الدنيا رمضان

الدنيا عيد | 11-04-2024

11 نيسان 24

من الإذاعة

فترة عيد الفطر السعيد | 11-04- 2024

11 نيسان 24

أخلاق.نت

أهداف وتطلّعات | أخلاق . نت

10 نيسان 24

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ} صدق الله العظيم.

تمرّ علينا في الثاني عشر أو في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل، على اختلاف الروايات في ذلك، ذكرى ولادة نبيّ الرّحمة وقائد الخير ومفتاح البركة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ).

هذا النبيّ الَّذي حظي برعاية الله وتسديده وتأييده منذ أن وجد على هذه الحياة، مما أشار إليه الله عزّ وجلّ عندما قال {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} وعندما قال {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} ليكون كما أراده الله عزَّ وجلّ، للناس هادياً ومبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ورحمةً لهم. لذا، نشهد له اليوم كما نقول في زيارته: «أشهد أنَّك قد بلّغت الرسالة، وأدَّيت الأمانة، ونصحت الأمَّة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وجاهدت في الله حقّ جهاده، حتى آتاك اليقين».

ونحن اليوم سنستفيد من هذه المناسبة الكريمة، لنتوقَّف عند واحدة من الصفات التي تميّز بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، وجعلته مهوى أفئدة المؤمنين، وفتحت قلوب النَّاس عليه وعلى رسالته، وهي الرَّحمة التي أشار إليها الله سبحانه عندما تحدَّث عن رسوله (صلى الله عليه وسلم )، فقال: {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

وعندما قال {للَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ}...

وقد بيَّن الله سبحانه ما أدَّت إليه هذه الرحمة، عندما قال {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}...

فبالرحمة استطاع رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أن يبلغ قلوب النّاس ويصل إلى عقولهم، ولو كان فظّاً في لسانه، قاسي القلب، لما بقي معه أحد.

ورحمة رسول الله لم تقف عند الَّذين أحبّوه وساروا معه والتزموا برسالته، بل بلغت حتى أولئك الَّذين ناوأوه وعادوه ورفعوا عليه سيف العداوة.

مواقف من رحمة النبي

ونحن اليوم سنشير إلى بعض المواقف التي أشارت إلى هذه الرَّحمة وإلى ما أدّت إليه:

الموقف الأوَّل: حصل في معركة أحد، عندما اشتدّ أذى المشركين برسول الله (صلى الله عليه وسلم )، ووصل إلى حدّ أن كسرت رباعيَّته وشجَّ رأسه، وقُتل فيها عمّه الحمزة، ومُثّل بجسده، واستشهد العشرات من أعزّ أصحابه، يومها، جاء إليه بعض أصحابه وقالوا له: يا رسول الله، ادع عليهم بعذاب من عنده كما عذَّب المشركين الأوائل بدعوة أنبيائهم عليهم. فقال لهم: «إنّي لم أُبعث لَعّاناً، ولكنّي بُعثت داعياً ورحمةً»، لذا ما كان يكفّ عن دعائه لهم بالقول: «اللّهمّ اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون».

الموقف الثاني: بينما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) جالساً بين أصحابه، أقدم رجل يهوديّ يدعى زيد بن سعنة على شدّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم ) من مجامع ثوبه، وشدَّه شدّاً عنيفاً، وقال له: أوفِ ما عليك من الدَّين يا محمَّد، إنكم يا بني هاشم قوم تماطلون في أداء الدَّين. وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يومها قد استدان من اليهوديّ بعض الدَّراهم، ولكن لم يحن بعد موعد سدادها، فأخذ رجل من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) سيفه يريد ضرب عنق اليهوديّ بسبب إساءته هذه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، لكنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم ) نهاه عن ذلك وقال له: «مره بحسن الطَّلب، ومرني بحسن الأداء»، عندها قال له اليهودي: والذي بعثك بالحقّ يا محمّد، ما جئت لأطلب منك ديناً، إنما جئت لأختبر أخلاقك، فأنا أعلم أنَّ موعد الدَّين لم يحن بعد، ولكني قرأت جميع أوصافك في التَّوراة، فرأيتها كلها متحقّقة فيك، إلّا صفة واحدة لم أجرّبها معك، وهي أنَّك حليم عند الغضب، وأنَّ شدَّة الجهالة لا تزيدك إلّا حلماً، ولقد رأيتها فيك الآن. وأسلم بعدها اليهودي بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، واستشهد في إحدى معاركه.

الموقف الثالث: ورد أنّ سرية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم ) كانت تتولى حراسة الطّرق المحيطة للمدينة، أسرت ثمامة بن مالك، ملك اليمامة، وكان في طريقه إلى مكَّة. وثمامة هذا كان قد قتل بعضاً من صحابة رسول الله في إحدى المعارك مع المسلمين، وتوعَّد آنذاك بقتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) إن ظفر به. ولما علم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بالأمر، أمر بأن يُحْسِنُوا إسَارَهُ، وأن يقدِّموا إليه أحسن الطعام والشّراب، بقي على ذلك ثلاثة أيَّام، كان خلالها يتردَّد عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، ويبيِّن له سماحة ما جاء به وما يدعو إليه، بعد هذه الأيَّام الثلاثة، جاء إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وقال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما عندي إلَّا أن أقول إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد مالاً فلك ما تشاء. قال: بل أعفو.

هزَّ هذا الموقف من رسول الله ثمامة، فهو يعفو عنه، وهو من كان يريد قتله، وقتل بعضاً من أصحابه، فمضى، حتى إذا بلغ نخلاً من حواشي المدينة فيه ماء، أناخ راحلته وتطهَّر، ثم عاد أدراجه إلى مسجد رسول الله، وهو يقول: «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه كلّها إليَّ، والله ما كان من دينٍ أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدّين كلّه إليّ، والله ما كان من بلدٍ أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلّها إليّ». ثم قال: «لقد كنت أصبت في أصحابك دماً، فما الَّذي توجبه عليّ؟»، قال (صلى الله عليه وسلم ): «لا تثريب عليك يا ثمامة، فإنَّ الإسلام يجُبُّ ما قبله». بعدها قال ثمامة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم ): «لأصيبنَّ من المشركين أضعاف ما أصبت من أصحابك، ولأضعنَّ نفسي وسيفي ومن معي في نصرتك ونصرة دينك»، وأصبح بعدها من أشدّ المدافعين عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وعن الإسلام، ومن المناوئين لمشركي قريش.

وأبرز مواقف الرَّحمة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، حصلت عندما فتح مكَّة بجيشه، يومها جاءت إليه قريش برجالها ونسائها ينتظرون قراره فيهم، وما هو فاعل بهم بعد كلّ الأذى الذي حصل منهم، والحروب التي شنّوها عليه، قال لهم يومها: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وأوصى أصحابه أن لا يريقوا دم إنسان مهما كان تاريخه، وبذلك سجَّل أروع مثل في العفو والمغفرة والتسامح.

رحمتُهُ (صلى الله عليه وسلم ) في الحروب

أيُّها الأحبَّة: لقد أشارت هذه المواقف إلى مدى رحمة رسول الله، والتي كانت حاضرة في كلّ مراحل دعوته، وحتى في الحروب التي كانت تشنُّ عليه.

فقد ورد في سيرته، أنه كان إذا بعث سريَّة للحرب، يجلسهم بين يديه ويقول لهم: «سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملَّة رسول الله، لا تغلوا ولا تمثِّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلَّا أن تضطرّوا إليها... ولا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبراً».

ومن هنا، فإننا مدعوّون في ذكراه أن نحمل في قلوبنا هذه الرَّحمة للناس، التي تدعونا إلى أن ننتشل من نختلف معهم في الدين أو السياسة أو على الصعيد العائلي، من جهلهم وانحرافهم وسوء تصرّفهم، بدلاً من أن نغلظ عليهم بالقول والفعل كما يحصل عادةً، ما يحوِّلهم من أعداء إلى أصدقاء أو إلى أقلّ عداوة.

وبذلك نبلغ ما وعد به الراحمون، «الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ»، ونصل إلى ما وعد الله به عندما قال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِر}...
أخبار العالم الإسلامي,السيد علي فضل الله, ولادة الرسول, أسبوع الوحدة الإسلامية, نبي الرحمة
Print
جميع الحقوق محفوظة, قناة الإيمان الفضائية